• ٧ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٥ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

أصناف الصائمين

الشيخ محمد باقر

أصناف الصائمين
  أقول: وأعلم أن الداخلين في الصيام على عدة أصناف وأقسام: فصنف دخلوا في الصوم بمجرد ترك الأكل والشرب بالنهار وما يقتضي الإفطار في ظاهر الأخبار وما صامت جارحة من جوارحهم عن سوء آدابهم وفضايحهم فهؤلاء يكون صومهم على قدر هذه الحال صوم وأهل الأهمال. وصنف دخلوا في الصوم وحفظوا بعض جوارحهم من سوء الآداب على مالك يوم الحساب فكانوا في ذلك النهار مترددين بين الصوم بما حفظوه والإفطار بما ضيعوه. وصنف دخلوا في الصوم بزيادة النوافل والدعوات التي يعملونها بمقتضى العادات، وهي سقيمة لسقم النيات، فحال أعمالهم على قدر إهمالهم. وصنف دخلوا دار ضيافة الله جل جلاله في شهر الصيام، والقلوب غافلة والهمم متكاسلة، والجوارح متثاقلة، فحالهم كحال من حمل هدايا الى ملك ليعرض عليها وهو كاره لحملها اليه، وفيه عيوب تمنع من قبولها والإقبال عليه. وصنف دخلوا في الصوم وأصلحوا ما يتعلق بالجوارح ولكن لم يحفظوا القلب من الخطرات الشاغلة من العمل الصالح، فهم كعامل دخل على سلطانه، وقد اصلح رعيته بلسانه، واهمل ما يتعلق بإصلاح شأنه. وصنف ما قنعوا لله جل جلاله بحفظ العقول والقلوب والجوارح عن الذنوب والعيوب والقبائح، حتى شغلوها بما وفقهم له من عمل راجح صالح، فهؤلاء أصحاب التجارة المربحة والمطالب المنجحة. وصنف قصدوا بالصوم السلامة من العقاب، ولولا التهديد والوعيد بالنار وأهوال يوم الحساب، ما صاموا، فهؤلاء من لئام العبيد، حيث لم ينقادوا بالكرامة ولا رأوا مولاهم أهلاً للخدمة. وصنف صاموا خوفاً من الكفارات، وما يقتضيه الإفطار من الغرامات، ولولا ذلك ما رأوا مولاهم أهلاً للطاعات، فهؤلاء متعرضون لرد صومهم عليهم، ومفارقون في ذلك مراد الله. وصنف صاموا عادة لا عبادة، وهم كالساهين في صومهم عما يراد الصوم لأجله، وخارجون عن مراد مولاهم ومقدس ظله، فحالهم كحال الساهي والاهي والمعرض عن القبول والتناهي. وصنف صاموا خوفاً من أهل الإسلام، وجزعاً من العار بترك الصيام، فهؤلاء أموات المعنى أحياء الصورة. وصنف صاموا لأجل أنهم سمعوا أن الصوم واجب في الشريعة المحمدية (ص) فكان صومهم بمجرد هذه النية من غير معرفة بسبب الإيجاب، فلا يستبعد أن يكونوا متعرضين للعتاب. وصنف صاموا وقصدوا بصومهم أن يعبدوا الله كما قدمنا لأنه أهل للعبادة فحالهم حال أهل السعادة. وصنف صاموا معتقدين أن المنة لله جل جلاله في صيامهم، وثبوت أقدامهم، عارفين بما في طاعته من إكرامهم، وبلوغ مرامهم، فهؤلاء أهل الظفر بكمال الغايات، وجلال السعادات.

ارسال التعليق

Top